آخر الأحداث والمستجدات 

صناعة اليأس

صناعة اليأس

إذا ما تناولنا موضوع الفشل وحاولنا مقاربته، فما من شك أننا سنصل في الأخير إلى خلاصة مفادها أن الفشل بناء اجتماعي و سنطمئن لهذا القول و نستكين.

فمنذ عهد ليس بالقريب و الساسة كما الإعلام يروجون قولة " قوة لبنان في ضعفه " وأن " جيش إسرائيل الذي لا يقهر" و أن الشعوب العربية لا يمكنها أن تفعل في مجتمعاتها أكثر من الأكل و الشرب و التناسل في تقاطع مع الأنعام و و ... و بذلك أصبح مصيرها شبه محتوم .

هكذا رسمت لنا صورة نمطية عن حالنا، و هكذا قبلنا بهذه الصورة ستريو- تيب، و هكذا أريد بنا أن نكون. لكن كيف يمكن لثقافة متشائمة وسياسي متخاذل أن ينقل المجتمع إلى الأمام؟

فمن أول وهلة نجد أن هذا النوع من التنميط، تنميط مركب، حيث أتقن العديد من "المثقفين" - المستشرقين الجدد - نشر هذا الفكر، وأفردت لهم مساحات واسعة في وسائل إعلام ذات هوى مُــتأمرك إن لم يكن مُــتصهين، كما أتقن الساسة المهجنون فن صناعة اليأس بدل استنهاض الهمم .

و هكذا آمن جزء كبير منا بهذا الوهم، و تسرب إلى عقلنا الباطني أننا شعب قاصر يحتاج لمن يفكر بدلا عنه و يصنع له و ... و أصبحنا عن وعي أو بدونه نشارك في زرع ثقافة التيئيس و الفشل بين أفراد المجتمع ، لا لشيء إلا لكوننا لم نعط الفرصة لمواهبنا.

بل قمنا بكبتها بدل أن نكون حالمين و مخلخلين لكل الثوابت و مغامرين بالفكر إلى أبعد مدى، بعدما مورس علينا و لسنوات طوال شيء من القهر المعرفي و التبخيس الفكري و تهميش المفكرين، ونتج عن ذلك كله تضييق على المجتمعات ثقافيا و معرفيا وحتى سياسيا، من طرف أشخاص قدموا أنفسهم كزعماء حقيقيين و خبراء استراتجيين يعرفون في التوازنات الإقليمية والدولية ولهم باع طويل في الممارسة السياسية بعدما هيمنوا على جل المؤسسات وصنعوا لأنفسهم " كاريزما " من وهم لم يكتب لها أن تعمر طويلا، فتكسرت أمام أول صخرة، لكن وللأمانة انطلت علينا الفكرة و قمنا بتصديقها ولو لفترة معينة لأننا لم نكن مزودين بفكر نقدي و علمي ثاقب، ولأننا خضعنا لنوع من الكي الجماعي، و بذلك أصبحنا من المساهمين وصنّاع هذا البؤس و عاودنا إنتاجه مرات و مرات.

لكن المشكلة لا تتوقف عند الحدود الشخصية لصانع الفشل و الإحباط و المطمئن له، بل تتعداه إلى النسيج المجتمعي ككل، فيصبح أولئك الأفراد ، أوعية ناقلة و مساهمة في نشر الفشل بين الجميع. فالإنسان العاجز الذي يبرع في صناعة العجز، حتما سيعكس عجزه داخل المجتمع، إضافة إلى تفكيره الممتلئ بالسلبية، ولا يرى ضيرا في الترويج لهكذا سلوك، فيتحرك وينشط في بث العجز بين عموم الناس، لدرجة أنه يعتاد هذا السلوك ولا يجد في نفسه حرجا من المجاهرة به أمام الآخرين.

فصناعة العجز قيمة سلبية، يتقنها أناس و مؤسسات، جبلوا على الإساءة للمجتمع والتاريخ وللشعوب و....و يسهمون أيضا في اندحار المجتمع من خلال بث أجواء من الخنوع و الذل، لا تنتمي لروح المبادرة و التطلع ولا حتى الابتكار، وبالتالي لا تساعد على الإبداع والارتقاء بالمواهب، فيذهب الفاشلون المنكرون لكل مبادرة إلى تدمير قيم النجاح و التفوق على الذات المبدعة داخل المجتمع و إلى وضع العربة أمام الحصان.

إن المجتمعات المتقدمة، تخطط لصناعة النجاح بكل الوسائل و تبث روح المبادرة الإبداع، من أجل تحسين و تجميل كل شيء و الوصول به حد الكمال، و تسعى على الدوام إلى خلق روح التفاؤل بين مكونات المجتمع، ولا تسمح بصناعة الإحباط، ولا تتيح الفرصة لنشر اليأس والنكوص بين الناس، وبالتالي إضعاف الإرادة الفردية والجمعية معا، الأمر الذي ينعكس على المجتمع.

من هنا ينبغي محاصرة كل سلوك و تفكير سلبيين، وعدم السماح لهما بالانتشار في إعلامنا في أفلامنا في مدارسنا في أنفسنا ... في كل مناحي حياتنا، خاصة أننا في طور تحولات عميقة، ونحتاج إلى أجواء وعوامل ايجابية داعمة لكل نجاح، نعم إننا في حاجة إلى تعميق قيم مناقضة لليأس و الفشل و جلد الذات .

بمعنى أوضح نحتاج إلى تفعيل وتعميق قيم التفاؤل والثقة بالنفس وأن نحلم بغد أفضل تكون السيادة فيه لأصحاب المواهب، كما هو الحال في المجتمعات التي تحرص كل الحرص، على خلق فرص النجاح بين الجميع، كمحرك لحالات الإبداع والابتكار وتحقيق الأفضل في مجالات الحياة كافة. فما علينا سوى الإصرار وتشجيع البدائل وخلق الأجواء والظروف التي تساعد على التفاؤل، وتوفير فرص النجاح.

 

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : عبد الله الودي
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2013-11-09 22:12:00

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك